/ الفَائِدَةُ : (120) /

01/05/2025



بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / الدِّينُ والصَّلاةُ وسائرُ العبادات رَجُلٌ / وردت بيانات وحيانيَّة كثيرة عن أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ دالَّةٌ على أَنَّ الدِّين والصَّلاة والصيام والحجّ والجهاد وسائر العبادات رَجُلٌ . وَأَوَّل من رواها : أَبو زينب مُحمَّد بن المقراص ابن أَبي الخطَّاب أيَّام استقامته ، لكنَّه فهمها ـ وكذا فهمها بعض الصوفيَّة والعرفاء ـ بشكل خاطئ ، وهو : أَنَّ مَنْ يعرف أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْزَأَته تلك المعرفة عن الإِتيان بالأَعمال العباديَّة بالفعل ؛ فمعرفة سَيِّد الْأَنْبِيَاء وسائر أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ تجزي عن القيام بالصَّلاة وسائر العبادات . وعلى هذا حُمِلَ تفسير كثير من بيانات الوحي ، منها : بیان قوله تعالىٰ : [وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ] (1) . والحقُّ : أَنَّ لهذه البيانات الوحيانية تفاسير عِدَّة ، وردت في بيانات أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، منها : التَّفسير الأَوَّل : أَنَّ أَحد مراتب طبقات ذات سَيِّد الْأَنْبِيَاء وذوات سائر أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ : الدِّين ـ بما فيه أُصول العبادات ، كأَصل الصَّلاة ـ ، وهو طبقات الوَحْي الْإلَهِيّ الصَّاعدة، والوَحْيُ الْإلَهِيّ بطبقاته الصَّاعدة أَحد طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة ـ كما ثبت في مـحلِّه ـ ؛ فإِنَّها بحور وحي زخَّارة متلاطمة لا تنزف أَبداً ، يعبُّ عبابها وتصطخب أَمواجها ، لا غاية لعددها ، ولا نهاية لمددها ، ولا نفاد لأَمدها أَبد الآباد ودهر الدُّهور ، لا يعتريها فناء ولا زيف ولا تغيير ولا كلل ولا فتور ، ولا يعتورها شين ولا يشوبها مين . وعليه : فيكون الدِّين ـ بما فيه أُصول العبادات ، كأَصل الصَّلاة ـ أَحد طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة ، ومن ثَمَّ يكون ـ الدِّين ـ بلحاظ هذه الطبقات : رَجُلاً ، والمراد منه سَيِّد الْأَنْبِيَاء وسائر أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ؛ فإِنَّه طبقة من طبقات ومراتب ذواتهم صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة . التَّفسير الثَّاني : أَنَّ الصَّلاة الكبرىٰ والصَّلاة العقليَّة الأَعظم ، وكذا سائر العبادات : معرفة سَيِّد الْأَنْبِيَاء وسائر أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، وهذا لا يعني التَّفريط بالصَّلاة البدنيَّة والنَّفسانيَّة وسائر العبادات ، بل يجب الإِتيان بها ، لأَنَّه لا يمكن الوصول إِلى باطن الدِّين إِلَّا من خلال سلوك ظاهره . إِذَنْ : للصَّلاة ـ وكذا سائر العبادات ـ مراتب وطبقات ، منها : الصَّلاة البدنيَّة ، والصَّلاة النَّفسيَّة ، والصَّلاة العقليَّة ، والصَّلاة القلبيَّة ، والمقصود من الصَّلاة القلبيَّة : عدم جواز التَّوجُّه والميل القلبي إِلى غير الله عَزَّ وَجَلَّ وإِلى غير أَوليائه ؛ أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ . ومعناه : أَنَّ قيمة أَركان الدِّين وفروعه تكمن في معرفة أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بعد الله جلَّ قدسه . وبعبارة أُخرىٰ : أَنَّ الغاية من الدِّين وفروعه : وصول المخلوق إِلى الفرد الكامل ، والمدينة إِلى المدينة الفاضلة ، وهو يتحقَّق من خلال معرفة أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ؛ لأَنَّ جملة حقائق الفضائل والكمالات لاسيما طبقاتها الصَّاعدة مطويَّة في حقائقهم صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ لا سيما طبقاتها الصَّاعدة ، ومن ثَمَّ لا يمكن لمخلوق الْبَتَّة الوصول إِلى مرتبةِ كمالٍ ما إِلَّا بعد معرفة : حقائقهم صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، وفضائلهم ، وكمالاتهم ، وشؤونهم ، وأَحوالهم . وعصارة القول : أَنَّ حقيقة الدِّين وفروعه تجرُّ إِلى معرفة أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ والوصول إِليهم ، وهم صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ يجرُّون إِلى مُطلق الفضائل والكمالات ؛ لأَنَّ طبقات حقائقها الصَّاعدة أَحد مراتب ذواتهم صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة ، ومن دون أَي شائبة تجوُّز في هذه التَّعابير ؛ فالدِّين وفروعه ـ كالصَّلاة ـ رَجُلٌّ بهذا المعنىٰ . وهذا معنىٰ بديع كسابقه . التفسير الثالث ـ وهو الأَعمق ـ ، حاصله : أَنَّ هناك جدليَّة في معرفة كُمَّل المخلوقات ، رأس هرمها : أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، وهي : أَنَّه كيف يتكامل كُمَّل المخلوقات بالدِّين والأَعمال العباديَّة وهم كُمَّل لا نقص فيهم ، ومنهم تُفاض الفضائل والكمالات على جملة عَالَم الوجود والإمكان . والجواب : أَنَّ حقائق كُمَّل المخلوقات على مراتب ، وطبقات حقائقهم صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ النَّازلة ليست كطبقات حقائقهم وَأَنوارهم الصَّاعدة بالقياس إِلى ساحة القدس الإِلهيَّة ، كحال عصمتهم صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ؛ فإِنَّها وإِنْ كانت بلحاظ ما دونها من المخلوقات عصمة كاملة ، لكنَّها بلحاظ عصمة الباري ـ المُسَمَّىٰ ـ عَزَّ وَجَلَّ عصمة تتكامل ويُفاض عليها بلا انقطاع ، فالمعصوم عليه السلام بلحاظ الكمال الذَّاتي الْإلَهِيّ الأَزلي دائماً يتكامل ، وتتكامل عصمته ومقاماته وشؤونه وأَحواله ، ويتكامل كماله ، والجميع واقع تحت القانون الْإلَهِيّ التَّكويني العقلي المعرفي : [وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا] (2) ، وقانون : [وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ] (3) . وعلى هذا قس عدم التنافي بين حقيقة الدِّين وفروعه ـ كالصَّلاة ـ بطبقاتها الصَّاعدة ـ وهي أَحد طبقات حقائق كُمَّل المخلوقات النوريَّة الصَّاعدة ـ وتكامل طبقات حقائقهم صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ النَّازلة بالدِّين وفروعه ـ كالصَّلاة البدنيَّة أَو الصَّلاة النفسيَّة ـ بنور طبقات حقيقة الدِّین وفروعه ـ كالصَّلاة ـ الصَّاعدة ؛ فتكامل نفس المعصوم عليه السلام النَّازلة وسائر حقائق المخلوقات بذلك النُّور المُفاض عليه وعليها من نور حقيقة الدِّين وفروعه الصَّاعدة . فيكون معنىٰ ما ورد في بيانات الوحي : «أَنَّ الدِّين وفروعه كالصَّلاة رَجُلٌ» بهذا المعنىٰ ؛ أَي : أَنَّ تكامل المخلوقات النَّازلة ـ منها : طبقات حقائق كُمَّل المخلوقات النَّازلة ـ يتمُّ بطبقات حقائق الدِّين وفروعه النُّوريَّة العالية ؛ طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة ، وهي أَصل الدِّين وفروعه . إِذَنْ : أَبدان ونفوس أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وإِنْ كانت تتكامل بالصَّلاة وسائر العبادات ، لكنَّه يستحيل عقلاً تكامل أَنوارهم صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وطبقات حقائقهم الصَّاعدة بها ؛ لأَنَّ فيضها وفيض كمالها وفيض سائر المخلوقات وكمالها صادر ورشحة من رشحات هذه الأَنوار والطَّبقات المُقدَّسة الصَّاعدة ؛ فكيف تتكامل بها . وبالجملة : أَنوار أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وطبقات حقائقهم الصَّاعدة وإِنْ كانت مخلوقات إلَهِيَّة ، لكن كمالها لا يُفاض عليها من المخلوقات الشَّريفة الدَّانية كالصَّلاة وسائر العبادات ، بل ـ يُفاض عليها ـ من ساحة القدس الْإلَهِيَّة . التَّفسير الرَّابع ، حاصله : أَنَّ أَصل الدِّين وتشريع فروعه وأَحكامه كان من سَيِّد الْأَنْبِيَاء وسائر أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، فبهم وعلى ألْسِنَتِهم شُرِّع الدِّين وفروعه ، وأُبلغت بياناته وأَحكامه الْإلَهِيَّة ، ومن ثَمَّ ليس للدِّين وفروعه حياة إِلَّا بأَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ؛ فإِنَّ طبقات حقائقهم صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة ـ وتتبعها طبقاتها المتوسِّطة والنَّازلة ـ نظام عَالَم الوجود على الإِطلاق، ووجه الله ، ووسائط الفيض الْإلَهِيّ الفاردة ، والوسيلة الْإلَهِيَّة الحصريَّة ، والسَّبيل والسَّبب والباب والحجاب الْإلَهِيّ الأَدنىٰ والفارد بين الذَّات الْإلَهِيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة وجملة العوالم وكافَّة المخلوقات غير المتناهية بقَضِّها وقضيضها ، من بداية الخلقة والوجود إِلى ما لا نهاية له . إِذَنْ : معنىٰ : أَنَّ الدِّين وفروعه رَجُلٌ : أَنَّ تتديَّن جملة العوالم والمخلوقات غير المتناهية ـ منهم : سائر الأَنبياء والمرسلين والملائكة المُقرَّبين عليهم السلام ـ بـ : (أَنَّ السَّفير الوحيد بين الله تعالىٰ وجميع مخلوقاته ليس هو إِلَّا أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ) ، وهذه السفارة لیست محدودة بعَالَم الدُّنيا الأُوْلَىٰ ، بل تأتي أَيضاً في سائر العوالم السَّابقة واللَّاحقة ، فجملة الدِّين لا تؤخذ في كافَّة العوالم إِلَّا عن سَيِّد الْأَنْبِيَاء وسائر أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ . والتَّسليم بهذه القضيَّة أَعظم شيء في الدِّين وفروعه ؛ فالدِّين وفروعه ـ كالصَّلاة ـ رَجُلٌ بهذا المعنىٰ . وبالجملة : أَنَّ ما ورد في بيانات أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ : «أَنَّ الصَّلاة وسائر العبادات رَجُلٌ» يعني : أَنَّ أَصل هذه العبادات أُخذت عن اعتبار رَجُل ، وهو سَيِّد الْأَنْبِيَاء وسائر أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، ومعناه : أَنَّ حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فوق هذه العبادات . وإِلى كُلِّ هذه التَّفاسير يُشير بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام ، عن حفص المُؤذِّن ، قال : «كَتَبَ أَبو عبدالله عليه السلام إِلى أَبي الخطَّاب : بلغني أَنَّكَ تزعم أَنَّ الخمر رَجُلٌ ، وأَنَّ الزِّنا رَجُلٌ ، وأَنَّ الصَّلاة رَجُلٌ ، وأَنَّ الصَّوم رَجُلٌ ، وليس كما تقول ، نحن أَصل الخير ، وفروعه طاعة الله ، وعدوّنا أَصل الشَّرّ ، وفروعه معصية الله ...» (4) . وصلى الله على محمد واله الاطهار . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجر: 99. (2) طه: 114. (3) يوسف: 76. (4) بحار الأَنوار، 24: 37/ح8. بصائر الدرجات: 157